السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
من ينظر في أحوال الناس يلاحظ أنّه لا يكاد يصفو لأحدهم عيش حتى يأتي ما يكدره عليه ، قال أحد الشعراء :
كذا الدنيا على من كان قبلي = صروف لم يدمن عليه حالا
يشب المرء ويكدّ في طلب العمل،ولما يجد مطلبه يحرص على كسب المال، فيكسب ما قدر الله له ثم يبحث عن شريك لحياته حتى يكمل به نصف دينه وقد يكون هذا الشريك سببا في تضييع نصفه الذي كان معه.
يتزوج المرء ويرجو الخلفة " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " وقد يتحقق له رجاءه ، فيضطر لمضاعفة العمل وإرهاق نفسه ليوفرلها العيش الكريم،فيتهاون بذلك في عبادته أو في برّه بوالديه أو في صلة رحمه إلخ...وقد يذل نفسه للناس حتى يتكسّب منهم المزيد من المال ، فيخسر كرامته وعزّة نفسه.
يعمل المرء في وظيفة فيتطلع إلى غيرها وأفضل منها،وقد يضطر إلى تملق الناس واستجدائهم للحصول عليها،وعندما يحصل عليها تجده متخوفا من فقده لها،فيلجأ إلى إذلال نفسه أوإلى استعمال أساليب الإحتيال والمكايدة حتى يحافظ عليها ، فيخسر بذلك نفسه ودينه.
قد يحظى المرء بالزواج السعيد وبالخلفة الصالحة وحتى بالعمل الكريم ، فيصيبه المرض في جسمه أو يصيب أحدا من أهله فيغتمّ لذلك ويتكدرعيشه،وقد يهجم عليه هادم اللذات ومفرق الأحباب ومشتت الجماعات فيفرق بينه وبين صاحبته وبنيه ، سواء بموته هو أوبموت أحدهم.
قال أحد الشعراء :
لكل شيء إذا ماتم نقصان = فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
هي الحياة كما شاهدتها دول = إن سرّك زمن ساءتك أزمان.
أفلا ترون أنّ لهذه الحياة منغصات كثيرة تحول دوننا ودون التمتع بها " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" .
فليعتبر الإنسان بمن حوله وبصروف الدهر فيهم،وليتصبرويحسب أنّ كل همّ وغمّ وكل نصب ووصب وكل مصيبة أصابته في هذه الدنيا إنما ابتلاء وكفارة لذنوبه حتى يرحل إلى الدار الأخرى وقد تطهّر من أدران الحياة وأوساخها.
إنّ هذه الدنيا كما يقال دار فناء لا دار بقاء "وإنّ الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون " فليتزود الإنسان في اجتيازه لهذا الممر ما يعينه على إعمار المقر .
يقول المولى عز وجل
( ولا تمدّنََ عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ) طه 131
يقول العلامه السعدي رحمه الله في تفسيره :
أي ولا تمدن عينيك معجبا , ولا تكرر النظر مستحسنا الى احوال الدنيا والممتعين بها من المآكل والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والبيوت المزخرفة والنساء المجملة ، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا تبتهج بها نفوس المغترين ، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القوم الظالمون , ثم تذهب سريعا وتمضى جميعا , وتقتل محبيها وعشاقها فيندمون حيث لا تنفع الندامة ويعلمون ما هم عليه اذا قاموا الى يوم القيامة , وانما جعلها الله فتنة واختبارا ليعلم من يقف عندها ويغتر بها , ومن هو أحسن عملا .
.......
نسأل الله ان يعيذنا من فتنة الدنيا
والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله
الشبكة
المفضلات